رسالة يوسف الرويسي إلى الهادي شاكر : 1950

رسالة يوسف الرويسي إلى الهادي شاكر

 

القاهرة في 2 أفريل 1950

تحدثت مع الأخ المنجي سليم في المسائل التي أشرت إليها، وفي ما يتعلق بالمهمة التي جاء من أجلها وبذلت ما في استطاعتي للأسهل له رجوعه بأسرع ما يمكن، ولكن المسألة ليست كما تتصورونها.

فهناك خلاف قديم داخل مكتب المغرب العربي، كان في البداية شخصيا بين الطيب سليم وصديقه القديم محمد الفاسي (مغربي).

وأصبحت اتهامات توجه من الدعوة فريق يتزعمه الطيب سلمي ورشيد إدريس وزاد من حدة هذه النزعة الرامية إلى تقسيم المكتب الخلاف الذي نشأ بين الأستاذ الحبيب بورقيبة والأمير عبد الكريم في لجنة التحرير إثر رجوع الحبيب من جولته في البلاد العربية والاتهامات التي وجهت إليه في تسلمه أموال باسم اللجنة وتصرفه فيها ولا شك انك اطلعت على قسم من هذه القضية في الرسائل الواردة من الحكومات العربية بنفي هذه التهمة ونشرت جريدة « الحرية » هذه الرسائل في بعض إعدادها.

وكان موقف الدكتور ثامر واضحا من هذه المسائل كلها، ومعه قسم من الإخوان التونسيين الذين يؤمنون بفائدة العمل الموحد داخل المكتب، ويرون في التقسيم رجوعا إلى الوراء، زيادة عن كونه يضعف جانب الكفاح، ويعطي فرصة للعدو ولخصوم المكتب الكثيرين في القاهرة.

وقد حضر الأخ صالح بن يوسف جزء من هذه الوقائع وتداخل فيها بصفته الأمين العام للحزب، وسمع أراء الفريقين، وتحدثت معه شخصيا في الموضوع، وكنت يومئذ في القاهرة، كما إن الأخ جلولي فارس على علم تام من هذه الأدوار، وقد اجتمع اللأستاذ صالح بالتونسيين ورافقه ثلاثة من أعضاء الديوان السياسي هم المرحوم ثامر وفارس وأنا وقرر ضرورة العمل الموحد، بعد أن تفاهم مليا مع الأخ علال الفاسي رئيس حزب الاستقلال المراكشي، الذي كان في القاهرة يومنذ.

وقد تشعبت هذه المسألة في أواخر سنة 1948 بتدخل الأستاذ الحبيب بورقيبة فاضطر المرحوم ثامر إلى مغادرة القاهرة الى دمشق ليترك إلى سي الحبيب مواجهة المسؤوليات بنفسه، ولكن هذا الأخير أصبح وجها لوجه أمام حقائق المشكل القائم في الانفصال أو العمل الموحد : أخذ يعاود الاجتماع بالاخوان التونسيين ويقنع الطيب بضرورة العمل الموحد لما تقتضيه المصلحة الوطنية، فكان من نتيجة ذلك تمرد الطيب ورشيد على الأستاذ الحبيب وانسحابهما من المكتب في 7 جانفي 1949.

ورجع ثامر بعد أن حضر معنا مؤتمر اليونسكو وسافر معنا إلى بغداد، رجع إلى القاهرة، واستمر العمل موحدا حتى وقوع كارثة كراتشي التي ذهب ضحيتها المرحوم الدكتور ثامر.

وهنا تبدأ فصول رواية جديدة كانت فيها حادثة كراتشي نكبة كبرى بالنسبة لمكتب المغرب العربي، خاصة وقد فقد فيها أكبر شخصياته هما ثامر وبن عبود وأصبح معرضا لخطر الانهيار وهو يعيش في وسط من الدسائس والمناورات وتعمل الاستخبارات الاستعمارية منذ تأسيسه لتقوض أركانه فأشفق أعضاء المكتب والعاطفون على هذه المؤسسة القومية من الانهيار الذي يترقبها، واتجهت الانظار في داخل القاهرة وخارجها، لمكاتبة أعضاء المكتب برسائل وبرقيات، وأرسل الى الأمير عبد الكريم وأخوه محمد توصية بضرورة حضوري الى القاهرة بواسطة الملازم رشيد ابن الأمير محمد.

ومن جهة أخرى، فقد رأيت من الضرورة الوطنية أن وجودي في القاهرة إثر النكبة، أمر محتم لأشرف على سير العمل، ريثما تأتي التعليمات، أو مندوب من الحزب لتنظيم العمل على قاعدة المصلحة الوطنية، فكتبت رسالة من دمشق الى الأخ صالح بن يوسف أذكر فيها بصورة مجملة هذه الحقائق لاعتقادي أنه على اطلاع تام ومعرفة كافية عن الحالة في القاهرة، واقترحت إرسال الأخ المنجي لنتعاون في التنظيم، ونتفاهم في أعمال تهم الحركة في الداخل والخارج، كما اقترحت أن يعوض ثامر بمسؤول وذكرت ميلي الى الأخ فارس، وكانت هناك صعوبات مادية تحول دون التعجيل بسفري، وتمكنت من السفر، ويوم وصولي إلى القاهرة أبرقت إلى صالح بوصولي، وبقيت انتظر التعليمات، غير أنه حالة المكتب في حرج، فرأى الاخوان في المكتب إصدار بلاغ بإشرافي على العمل مكان ثامر، ولكن ما كاد يذاع هذا الخبر حتى قامت الدنيا وقعدت في تونس، وأمطرنا الديوان السياسي بسيل من البرقيات و »التعيينات » واستنكر الديوان السياسي وجودي في القاهرة، في ظاهرة استغربتها في بادئ الأمر، ولكني الآن لم أعد استغربها، لأنها تنسجم مع موقف الديوان أو البعض منه بالنسبة لتلك الظاهرة تجلت في مناسبات كثيرة منذ وصولي الى الشرق من أوروبا، وكنت من قبل أحملها محامل حسن النية، أما الأن فقد أخذت تتوافر الأدلة على ما يقال من أن هناك نية مبيتة للتخلص من بعض عناصر الحزب، وأنا من بينهم طبعا، أقف بك على هذا الحد لأعود الى الموضوع، فقد وصل الأخ المنجي، وتحدثت معه كثيرا بكل صراحة ووضوح، في كل هذه المسائل، وأكدت له من جهة أخرى عدم رغبتي في الإقامة في القاهرة، لأنه يعز علي كثيرا أن أترك العمل الذي أقمته في سوريا بألامي وحرماني ينهار، وأن حضوري إلى القاهرة وتسيير العمل لم يكن إلا بصفة وقتية، وانه متى يتم تنظيم العمل هنا، أعود سريعا إلى دمشق، وعرضت عليه حلولا كثيرة قبلها مبدئيا، وسلم بوجاهتها، ولكن يتعلل تارة بقرار الحزب وأخرى بعدم وجود المال.

أيها الأخ أن تكون نظرتنا في المسائل الوطنية متأثرة بمصلحة العمل نفسه، قبل أن تتأثر بالأشخاص الذين يراهم فرضهم على العمل أو إقصاؤهم عنه بتأثير اعتبارات خصوصية، وهذا هو رأيي الذي سرت عليه منذ 21 عاما قضيتها في مرافقة الحركة الوطنية، ولكن ظهر لي أنني واهم، وأخذت أشعر أنني أعيش ي جو سنة 33-1934 تماما، وأخذت برقيات قيادة الحزب ورسائله لا تحدثني إلا بلغة « الديسيبلين » دون أن تجيبني على رأي طلبت الإيضاح فيه.

أظن أن المؤتمر الذي انتخبني عضوا في الديوان السياسي جعل لي رأيا – على الأقل – في المسائل التي تتعلق بالعمل في الخارج، وأظن أن من مستلزمات النظام و « الديسيبلين » أن أستشار في قرار كهذا، وأن أجاب على رسالة دمشق، أو على الأقل تشير الى التريث أو تشعرني بعدم الرضا عن وجودي ي مصر، قبل الإقدام على « جريمة » حفظي مكتب المغرب العربي من الانهيار.

هل من « الديسيبلين » الحزبي أن يترك عضو من الديوان السياسي سنة كاملة دون أن يرسل له من النفقات التي التزام بها الحزب ولو فرنكا واحدا، بينما تنفق أموال الأمة ذات اليمين وذات الشمال، في أشياء أجل قلمي عن ذكرها، لتقرأها بنفسك في رسالة موظف وزارة الحربية المصرية.

وهل من الديسيبلين الحزبي أن ترجع الأموال الطائلة إلى تونس في الوقت الذي يغرق فيه المرحوم ثامر وأنا في الديون، وهل من الديسيبلين الحزبي أن يعاد تنظيم إرسال أموال الأمة إلى سيدات القاهرة، والدائنون يركضون خلف الميت منا والذي على قيد الحياة.

لقد وصلت الحالة الى درجة لا تحتمل، وليس من الوطنية ولا الشهامة في شيء استمرار السكوت عليها، وإن الذي يجعلني أكظم هذه الآلام هو الظروف الدقيقة التي تجتازها حركتنا والتي لا يؤيد بعض المسؤولين في الحزب أن يقرؤوا لها حسابا.

إنني بشرحي كائن أشعر وأحس وأتألم لمصلحة بلادي، بل ضحيت بشبابي وزوجتي وأولادي وجميع مقدرات حياتي وأفنيت ثلثي عمري في مقارعة الظلم، وتحمل المسؤوليات، وإنه ليس من السهل على أن أتحمل هذه الأوضاع الغريبة الشاذة، وها أنا ذا أبعث إليك بهذه الكلمة المستعجلة مع رسالة وردت إلى المكتب لتعلم أن المسألة متشعبة، وأننا قادمون على تطورات أرجو أن تعالج بالحكمة وإلا فلست أنا المسؤول على النتائج.

Comments are closed.