Les coopératives à sfax (Habib Salmi 2008)

رؤية تاريخية لسياسة التعاضد بصفاقس

بقلم : محمد الحبيب السالمي
الصريح: 10 جانفي 2008

مرت تونس في الستينات من القرن العشرين بتجربة سياسة التعاضد، وقد أراد القائمون على التخطيط لها ورعايتها أن تعم كل مرفق وكل ميدان من ميادين الحياة إال الزواج واألسرة. وسخروا لتنفيذها سياسة الترغيب بالتوعية والتبشير بواسطة اإلعالم والخطب والندوات واالجتماعات وسياسة الترهيب والزجر والعقاب الظاهر والمبطن الخفي … وما هي إال سنوات مرت لم تعل فيها كلمة غير كلمة التعاضد حتى تصور الكثير من الناس أن تونس أخذت طريق التعاضد واقتطعت في قطاره تذكرة الذهاب فقط ولم ولن تقتطع تذكرة اإلياب، وإذا التونسيون يفاجؤون في ليلة بإعالن من السلطة السياسية يأذن بطي صفحة التعاضد .. وتتحول األبواق اإلعالمية التي كانت تبارك وتبشر بجنة التعاضد إلى أبواق القدح والدم والنقد وجمع شهادات الشهود التهام ومحاكمة من قادوا تونس إلى جهنم

التعاضد. في التجارة .. فرضوا على تجار التموين وتجار األقمشة وتجار المالبس وتجار الكتب أن يتعاضدوا في وحدات صغيرة، أو كبيرة، وذلك بأن ينضم بعض الصغار إلى بعض الكبار واشتهرت آنذاك عبارة )لحمة وعظمة( و تحولت بعض دكاكين المدينة العتيقة إلى مغازات كبيرة بهدم ما كان بين بعض الدكاكين من جدران .. وتأسست بعض المغازات الكبرى العصرية، واختفت مظاهر الدكاكين المتخلفة في شكلها وطرق عرضها للبضاعة، وتأسست لذلك شركات كبرى ساهم في بعثها التجار بأموالهم على أن تكون هي المزود للتعاضديات. فبعثت في التموين شركة الزيتونة وال يزاحمها أحد، وبعثت في األقمشة والمالبس شركة )سانتاكس( وال ينافسها في تجارة الجملة والتوريد أحد فهل رضي التجار بذلك؟ وهل وجدوا مورد الرزق الذي يكفل لهم حياة طيبة؟ كان التجار المتعاضدون يشكون من أنهم صاروا أجراء، وأن األجر الذي يتقاضونه ال يساوي ما كان الواحد يكسبه وهو يدير تجارته بنفسه ويعتمد على جده وكده وخبرته ومهارته، كما كانوا يشكون من روح الالمباالة تسود بين المتعاضدين ويرون أن الطريق يأخذهم إلى اإلفالس. ولذلك لما وقع اإلعالن عن طي صفحة التعاضد تباشروا وافترقوا وعاد كل واحد إلى دكانه يعيد بناء الجدار الذي يفصل بينه وبين جاره .. وما حصل في تجارة التموين واألقمشة حصل في تجارة الكتب. فقد تأسست بصفاقس تعاضدية الفكر التي ساهم في رأس مالها الكتبيون وتالميذ المدارس والمعاهد وكل المربين، وتجمعت الماليين من الدنانير بين أيدي هيئة تتركب من المكتبيين ورجال التربية، ولما طويت صفحة التعاضد دخلت )تعاضدية الفكر( حياة الشمعة فبقيت تحترق حتى انطفأت وماتت وال يعرف أحد مصير مساهمات التالميذ والكتبيين والمربين فيها، وال يعلم أحد كيف تمت محاسبة وتصفية فروع تعاضدية الفكر التي بعثت في المعاهد…. أما التركة فهي لمن هو أقدر على نهبها وهذا ما جرى لشركة )سانتاكس( بصفاقس وما جرى لشركة )سوتوبري( التي

كانت مثاال للمؤسسة الصناعية الحديثة العصرية وقد ساهمت في )سانتاكس( وفي )سوتوبري( كغيري من الموظفين الذي ظنوا الخير في استثمار المال في التجارة والصناعة. وها هي اآلن في أوراقي شهادات استثناري ال تساوي مليما بعد أن لعبت األيدي في المؤسستين وقادتهما إلى اإلفالس كما عبثت األيدي في مساهمات التجار في اتحاد التعاضد ولم يجد مساهم من يحاسبه على سهمه. لماذا ؟ من المسؤول عن ذلك ؟

أليست هي سياسة االرتجال بداية ونهاية ؟ أسأل وأحب أن أفهم. الصريح: 11 جانفي 2008

رؤية تاريخية لسياسة التعاضد بصفاقس

… عشية يوم دعيت كما دعي أكثر من ألف صفاقسي الجتماع يعقد بالمسرح البلدي يقدم فيه المسؤولون الجهويون مخططا عشريا لصفاقس بحضور كاهية كاتب الدولة لالقتصاد- ولما فتح باب النقاش تقدمت وصارحت وقلت : إن سياستنا في التعاضد الفالحي غير ناجحة ألن السلطة لم تعط المثل الطيب للتعاضد – فها هي )هناشر المعمرين( التي كانت تؤتي أكلها وتقدم صورة للفالحة العصرية دخلتها سياسة اإلهمال، وصار البرج الذي كان قصرا يسكن فيه المعمر الفرنسي مسكنا للدجاج، فكيف يمكن للصفاقسي الفالح صاحب مئات وآالف الزياتين أن يطمئن إلى أمالكه وهو يساهم بها في تعاضدية إذا كان يرى ويشاهد ذاك المصير في ضيعات المعمرين التي أممناها؟ وكان تدخلي الناقد قد حرك أيدي كل الصفاقسيين الذي غصت بهم قاعة المسرح مما يدل على أنهم يرون ما رأيته

ويصادقون على ما قلته ولم أكن صاحب سلطة أو زعامة ولم أكن ضد مبدإ التعاضد. فبماذا قابل المسؤولون نقدي وصراحتي؟ دفعوا اثنين من أعضادهم للرد علي، فأنكروا وكذبوا كالمي وشهادتي والغريب العجيب أن الصفاقسيين صفقوا لهما – لماذا؟ ألن البعض يدفعه النفاق والبعض يحرك يديه الخوف- وعلق الوالي على كالمي ونقدي فقال: )سي السالمي منا ولكنه يجمع أخباره من المقاهي(. وهذا اتهام غير صحيح وأراه موقفا من المسؤول عن التعاضد بصفاقس فيه مكابدة وعناء حقا دفعه إلى بغضي بعد أن كان يحبني … واعتقد أنه لو ناداني وطلب مني بيانات وشواهد لقدمت له واستفاد وهو يقود سياسة التعاضد … لكنه كان يريد تنفيذها فالحيا ولو كرها وفي غير دائرة القانون .. فقد اصطدم بالمرحوم األستاذ المحامي الحبيب اللوز وهو من أصحاب الضيعات الفالحية، فقد عرض عليه االنخراط بأمالكه في التعاضدية فأجابه بلغة القانون وقال له : أنا ال أرغب في ذلك وال أرى مصلحة لي من ذلك ولكن إذا كان بيدك قانون يفرض علي االنخارط في التعاضدية فأنا أقدم لك من اآلن وفي مكتبك عقود ملكيتي وأخرج. وبما أن قانون التعاضد الفالحي لم يصدر فقد كانت الغلبة لألستاذ اللوز المحامي ألنه المحامي العارف بالقانون. ولكن ماذا فعل آخرون من الفالحين الرافضين للتعاضد ؟ سألت أحدهم ليلة اإلعالن عن طي صفحة التعاضد وقد كان فرحا، لماذا تحملت مسؤولية إدارة تعاضدية؟ فقال : )ألضع

العصا في العجلة( كنت آخذ المال لخدمة األرض وللشجر فأبقيه في جيبي حتى يضج العمال وينتقدوا التعاضد ألنه جلب لهم البطالة وينتقده أصحاب األرض ألنهم يرون أرضهم تصبح بورا زمن التعاضد، وهذه من أخطاء قادة سياسة التعاضد في الفالحة والتجارة فقد استعانوا بمن ال يؤمنون بها فأضروا التعاضد وقد نبهت الوالي إلى ذلك لكنه

لم يرى رأيي … وكانت النتائج أن فشل التعاضد الفالحي في صفاقس وإذا قيل أنه نجح فإن ذلك النجاح كان في مسرحيات مثل مسرحية )هنشير المواساة للمعمر فرانسوا غمراسني( الذي جلبوا له عديد العمال الفالحيين وأسكنوهم في غرف البرج مع عائالتهم وسلموا لكل واحد منهم حقال ليعمل في األرض … التعاضد في الثقافة : صفاقس تأسست فيها جمعيات ثقافية بمبادرات وطنية ثقافية، من بين هذه الجمعيات جمعية اللخمية التي كانت مفخرة في تاريخ التعليم والثقافة بصفاقس، دعيت عشية يوم إلى اجتماع بلجنة التنسيق وكنت الكاتب العام للخمية فحضرت صحبة رئيسها المرحوم يوسف خماخم وأخبرنا الكاتب العام للجنة التنسيق أنه تقرر حل اللخمية واالتحاد الثقافي ونادي السينما للتالميذ وضمها إلى اللجنة الثقافية فقلت : إن اللخمية لها قانون أساسي نص على حلها في جلسة خارقة للعادة ولذلك أرى أن ندعو المشتركين ونعرض عليهم عرضكم، فقال : هذا ما قررناه وما نأمر به فقلت : سجلوا في محضر الجلسة اعتراضي وافعلوا ما شئتم … ذاك المثال أال يعطي الدليل على أن فشل سياسة التعاضد كان بسبب السلطة والتسلط واألوامر الفوقية التي ال تقبل النقد وال توفر للمواطن حق الحرية وأهم فصل في فلسفة التعاضد هو الحرية ؟ أليس كذلك ؟ أسأل وأحب أن أفهم.

Laisser un commentaire

un × deux =