البيان التأسيسي لحركة الاتجاه الاسلامي : 6 جوان 1981

البيان التأسيسي لحركة الاتجاه الاسلامي (6 جوان 1981)

 

يشهد العالم الإسلامي – وبلادنا جزء منه – أبشع أنواع الاستلاب والغربة عن ذاته ومصالحه فمنذ التأريخ الوسيط وأسباب الانحطاط تفعل فعلها في كيان أمتنا وتدفع بها إلى التخلي عن مهمة الريادة والإشعاع، طورا لفائدة غرب مستعمر وآخر لصالح أقليات داخلية متحكمة انفصلت عن أصولها وصادمت مطامح شعوبها.

وكان المتستهدف الأول طوال هذه الأطوار كلها هو الإسلام، محور شخصيتنا الحضارية وعصب ضميرنا الجمعي، فقد عزل بصورة تدريجية بطيئة، وأحيانا بشكل جريء سافر عن مواقع التوجيه والتسيير الفعلي لواقعنا رغم بروزه عاملا محددا في صنع الجوانب المشرفة من حضارتنا وفي جهاد بلادنا لطرد المستعمر..

..وقد تكرس هذا الوضع نتيجة أحادية الاتجاه السياسي المتحكم « الحزب الدستوري » وتدرجه المتصاعد نحو الهيمنة على السلطة والمؤسسات والمنظمات الجماهيرية من ناحية ونتيجة ارتجالية الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية وتقبلها وارتباطها بمصالح دولية تتعارض مع مصالح شعبنا الوطنية من ناحية أخرى,

في هذا المناخ ظهر الاتجاه الاسلامي بتونس في بداية السبعينات بعد أن توفرت له كل أسباب الوجود، وتأكدت ضرورته، وقد ساهم هذا الاتجاه من مواقعه في إعادة الاعتبار للإسلام فكرا وثقافة وسلوكا، وإعادة الاعتبار للمسجد كما ساهم في تنشيط الحياة الثقافية والسياسية.

…إن استمرار أسباب تخلف الوضع السياسي والاقتصادي والثقافي في مجتمعنا يرسخ لدى الاسلاميين شعورهم المشروع بمسؤوليتهم الربانية الوطنية والإنسانية في ضرورة مواصلة مساعيهم وتطويرها من أجل تحرر البلاد الفعلي وتقدمها على أسس الإسلام العادلة وفي ظل نهجه القويم.

وقد يذهب البعض إلى أن هذا العمل هو من باب إقحام الدين في دنيا السياسة، وأنه مدخل إلى احتكار الصفة الإسلامية ونفيها بالتالي عن الآخرين. إن هذا الفهم فضلا عن كونه يعبر عن تصور كنسي دخيل على ثقافتنا الأصلية، يكرس استمرارية « حديثة » لواقع الضياع التاريخي الذي عاشته أمتنا.

على أن « حركة الاتجاه الاسلامي » لا تقدم نفسها ناطقا رسميا باسم الإسلام في تونس ولا تطمع يوما في أن ينسب هذا اللقب إليها. فهي مع إقرارها حق جميع التونسيين في التعامل الصادق المسؤول مع الدين، ترى من حقها تبني تصورا للإسلام يكون من الشمول بحيث يكون الأرضية العقائدية التي منها تنبثق مختلف الرؤى الفكرية والاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحدد هوية هذه الحركة… تعمل هذه الحركة على تحقيق المهام التالية :

  • بعث الشخصية الإسلامية لتونس حتى تستعيد مهمتها كقاعدة كبرى للحضارة الإسلامية بإفريقيا ووضع حد لحالة التبعية والاغتراب والضلال.
  • تجديد الفكر الإسلامي على ضوء أصول الإسلام الثابتة ومقتضيات الحياة المتطورة وتنقيته من رواسب عصور الانحطاط وآثار التغريب.
  • أن تستعيد الجماهير حقها المشروع في تقرير مصيرها بعيدا عن كل وصاية داخلية أو هيمنة خارجية.
  • إعادة بناء الحياة الاقتصادية على أسس إنسانية وتوزيع الثروة بالبلاد توزيعا عادلا على ضوء المبدأ الإسلامي « الرجل وبلاؤه، الرجل وحاجته ».
  • المساهمة في بعث الكيان السياسي والحضاري للإسلام على المستوى المحلي والمغربي والعالمي حتى يتم إنقاذ شعوبنا والبشرية جمعاء مما تردت فيه من ضياع نفسي وحيف اجتماعي وتسلط دولي.

راشد الغنوشي، من تجربة الحركة الإسلامية في تونس.

نورالدين الدقـي

(من كتاب : تونس من الإيالة إلى الجمهورية 1814 – 2014)

Comments are closed.