الباهي الادغم في مجلس الأمة

جانفي 1970

الباهي الادغم في مجلس الأمة

 

 

حضرات النواب،

لا أظن أن مثل هذا الموضوع في حاجة إلى تحرير ووثائق وأوراق لاني اعتقد ان هذه القضية التي كانت عرضت على مجلسكم الموقر للمصادقة على نص اتفاقية ضبط الحدود التونسية الجزائرية هي في الواقع قضية مفروض منها ومتفق عليها منذ زمان على الأقل من الوجهة المعنوية أن لم اقل من الوجهة التشريعية والفنية، خصوصا والمواطنون بما فيهم حضارات النواب على علم من أطوار النزاع الذي كان قائما بين تونس والشقيقة الجزائر اثر غداة استقلالها بشأن ضبط الحدود الجنوبية الغربية…

…اكتفينا بالمطالبة بجلاء القوات الأجنبية عن بنزرت وعن الجنوب التونسي ولم نكن نقصد من وراء المعركة التي خضنا غمارها ضد المستعمر الجلاء عن العلامة 233 أو عن نقطة معينة من ترابنا بل الجلاء الشامل عن كامل أرضنا ثم جاء وقف إطلاق النار باتفاق بين الطرفين على أن تعود الحالة إلى ما كانت عليه سواء بالجنوب أو ببنزرت…

على أنني أتصور الحساسية والعواطف التي يشعر بها السيد على المرزوقي وبقية الجنوب لكني أريد هنا أن اذكر حضرة النائب المحترم بأننا هنا في مجلس الأمة نمثل عموم الشعب التونسي ولا يجوز لنا أن ندافع عن مصالح منطقة معينة ولا أن نراعي مشاعر طبقة خاصة من المواطنين خصوصا وان محل النزاع لا ينفرد بملكيته قسم معين من المتساكنين على أديم هذه الأرض…

…وليس من المعقول ولا من الصالح بأي حال من الأحوال أن تعيش تونس أو المغرب أو الجزائر في حالة تحفظ أن احتراز وتنظر أحداها للأخرى نظرة حيطة وحذر، هذا فضلا عن ان يفضي بهم هذا الحذر المتبادل إلى الدخول في سباق مستمر في ميدان التسلح ا وان تظل علاقاتها في تأزم وتوتر قد يؤولان الى الالتجاء للقوة والعنف وإراقة الدماء…

على ان النزاع الذي كان قائما بيننا ولو انه لم يصطبغ في أي وقت من الأوقات بلون من الحدة إلا أن مجرد وجوده من شأنه ان يثقل العلاقات بين البلدين ويكدر صفاء الأجواء بيننا وبين إخواننا الجزائريين، ولا يدعنا نتفرغ إلى الأعمال الايجابية والى ربط صلات التعاون المثمر التي تعين على المزيد من الازدهار لنا ولجارتنا…

…يبدو لنا أن التضحية ببعض الحقوق هي أهون علينا من البقاء في وضع لا يضمن لتونس التفرغ لأعمالها الإنشائية الجسمية من اجل الازدهار ولتضمن للجزائر كذلك نفس التفرغ الذي لا يكون إلا وليد الهناء وراحة البال…

…وكان المجاهد الأكبر أول من فكر في هذا الوضع، وأول من سعى إلى حسم الخلاف وذلك بان قارن بين التنازل عن بضعة أشبار من الأرض وبين الإمكانيات الجديدة والنواحي الايجابية التي من شأنها ان تتفتح أفاقها بين البلدين، فكانت نتيجة هذه المقارنة تفادي النواحي السلبية والتغلب عليها من اجل تحقيق أمال أهم وأعظم من شأنها ان تدعم التعاون بين الجانبين وتهب القوة للجميع، وهذا ما جعله يعيد النظر في الموضوع ويقول ان ما كان يطالب به في مسالة الحدود لم يبق له موجب ويعتبر كان المطالبة لم تكن ويرى بعكس ذلك ان الخير كل الخير في إلغاء هذه المطالبة…

…ذلك ان الثروة التي نحن الآن بصدد استغلالها في هذه المناطق البترولية نرى م الفائدة أن نفض على الأقل مشكلتها ونعرف حدودها بالضبط حتى لا نقع في نزاع جديد عند ما يعن لنا أن نحفر بئرا هنا أو هناك من مشمولات تلك المنطقة، وما دامت حدودها غير مضبوطة، فلا الجزائريون ولا نحن بقادرين على استغلال الثروة البترولية التي تنطوي عليها المنطقة…

…وإذا كان الحد المزمع إقراره من شانه أن يوفر لنا 10 آبار جديدة من البترول فان التنازل عن بئر الماء الموجودة في فورسان يكون من أسهل السهل…

…ففي خصوص الحد إذا أريد أن التخوم الليبية باعتبار أن أقصى مركز من مراكزنا هو فورسان الذي يحمل اسم المقيم الفرنسي بتونس سابقا « لسيان سان » وهو بطبيعة الحال النقطة الفاصلة من بئر الرومان إلى بئر الكلب ومن بئر الكلب رأسا إلى فروسان، ومن فرسان الى الحد في خط مستقيم، وهذا خير لنا جميعا وبه يزول كل أشكال يمكن أن يثور في المستقبل ذلك ان الخط المستقيم من شانه ان يفصل كافة النزاعات…

…وبإمكاننا أن نتصور المغانم الكثيرة التي نجنيها من ضبط الأمور على أساس الوضوح والتي ليس اقلها منزلة استغناءنا عن المصاريف التي ننفقها على كتائب من جيوشنا ما زالت مرابطة في تلكم الجهات، وهذا يعرفه السيد على المرزوقي ولم تبق لنا فائدة في الأخذ والرد وفي التجاذب والتدافع وفي الحذر المتبادل وينبغي أن يزول ما كان يساورنا من التفكير في مشكلة الحدود ونعتبر ان هذا الموضوع انتهى، وبوسعنا أن نقول إن فض هذه المشكل من شانه أن يعود بالفائدة العاجلة على نظامنا وعلى جهاز الدفاع على البترول وعلى غير ذلك من الشؤون التي تهمنا أعنى استغلال هذه في القطاع السياحي…

…قررت الحكومة التونسية سبق الأحداث والشروع في حل المشكل الذي كان قائما بين تونس والجزائر على أساس التخلي على أربعة أشبار من الأرض خالية من السكان قد لا يكون لها أي قيمة نظرا لما سينجر عن فض مشكلتها من الفوائد الجمة ومن تشجيع لإخواننا الجزائريين والمغاربة وبقية الأفارقة الحديثي العهد بالاستقلال على حل المشاكل الجسيمة القائمة بينهم بشأن الحدود…

Comments are closed.